Media Center

الدينونة العامة في المسيحية والإسلام، سيادة المطران كيرلس سليم بسترس – النهار

18 February 2017

 

 

في هذا الأحد بحسب الطقس البيزنطيّ يُقرأ مثل الدينونة العامّة الذي يرويه الإنجيلي متى: "متى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة والقديسين معه، حينئذ يجلس على عرش مجده. وتُجمَع لديه كلّ الأمم، فيميّز بعضهم من بعض، كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه: 'تعالوا يا مباركي أبي، رثوا المُلك المعدَّ لكم منذ إنشاء العالم. لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني، كنتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، وكنتُ مريضًا فعدتُموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ'. حينئذ يُجيبه الصديقون قائلين: 'يا ربّ، متى رأيناكَ جائعًا فأطعمناك، أو عطشان فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريبًا فآويناك، أو عريانًا فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضًا فعُدْناك أو محبوسًا فأتينا إليك؟' فيجيب الملك ويقول لهم: 'الحق أقول لكم، إنّكم كلّ مرّة صنعتم ذلك إلى أحد هؤلاء الصغار الذين هم إخوتي، فإليّ صنعتموه'. حينئذ يقول للذين عن شِماله: 'اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديّة المعدَّة لإبليس وملائكته. لأنّي جُعتُ فلم تطعموني، وعطشتُ فلم تَسقوني، وكنتُ غريبًا فلم تؤوُني، وعريانًا فلم تكسوني، وكنتُ مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني'. حينئذ يجيبون هم أيضًا ويقولون: 'يا ربّ، متى رأيناكَ جائعًا أو عطشان، غريبًا أو عريانًا، مريضًا أو محبوسًا، ولم نخدمكَ؟" حينئذ يجيبهم قائلاً: "الحقّ أقول لكم إنّكم كلّ مرة لم تصنعوا ذلك إلى أحد إخوتي هؤلاء الصغار فإليّ لم تصنعوه'. فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ، والصدّيقون إلى الحياة الأبديّة" (متى 31:25-46).


وفي التراث الإسلاميّ حديث شريف يتوافق تمامًا مع هذا المثل الإنجيليّ، يقول فيه الله للإنسان يومَ القيامة: "يا ابن آدم، مرضتُ فلم تَعُدْني. قال: كيف أعودكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنّ عبديَ فلانًا مرض، فلم تَعُدْه؛ أما علمتَ أنّكَ لو عُدتَه لوجدتَني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتُكَ فلم تُطعمني. قال: يا ربّ، وكيف أُطعِمكَ وأنتَ ربّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنّه استطعمكَ عبدي فلان فلم تُطعِمه؛ أما علمتَ أنّكَ لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتُكَ فلم تَسقني. قال: يا ربّ، وكيف أسقيكَ وأنتَ ربّ العالمين؟ قال: استسقاكَ عبدي فلان فلم تسقِه؛ أما علمتَ أنّكَ لو سقيتَه لوجدتَ ذلك عندي؟".


من خلال هذين المثلين يتبيّن أنّ موضوع الدينونة في اليوم الأخير سوف يكون، بحسب المسيحيّة والإسلام، أعمال الإنسان تجاه سائر الناس. وما يلفت الانتباه هو قول السيد المسيح: "إنّكم كلّ مرّة صنعتم ذلك إلى أحد هؤلاء الصغار الذين هم إخوتي، فإليّ صنعتموه". ويقابل هذا القول الحديث الإسلامي: "أما علمتَ أنّ عبديَ فلانًا مرض، فلم تَعُدْه. أما علمتَ أنّكَ لو عُدتَه لوجدتَني عنده؟" كثيرًا ما يسأل الناس: أين نجد الله؟ الجواب في كلا المثلين: نجد الله في الإنسان الذي نساعده، سواء أكان جائعًا أم عطشانًا أم غريبًا أم عريانًا أم محبوسًا.


هذا هو، في المسيحيّة، جوهر سرّ التجسّد الإلهيّ: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان في الله، وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسدًا، وسكن بيننا مملوءًا نعمة وحقًّا" (يوحنا1:1،14). من التجسّد الإلهيّ عرفنا أنّ كلّ إنسان هو صورة لله، بحيث إنّنا، من بعد التجسّد الإلهيّ ونتيجة للتجسّد الإلهيّ، لن يمكننا أن نرى الله إلاّ في العمل الصالح الذي نصنعه لأيّ إنسان بحاجة إلى مساعدة. الكلمة الذي كان منذ البدء ومنذ الأزل في الله نجده الآن وفي الزمن في كلّ إنسان. إنّ كيان الله الأزليّ يتّخذ وجودًا زمنيًّا بواسطة الإنسان. وبدون الإنسان يبقى كيان الله كأنّه لا وجود له. ثمّة شهادة لأحد حكماء العهد القديم يقول فيها الله لشعبه: "إن لم تعبدوني لا وجودَ لي". فالله إنّما خلق الإنسان لكي يكونَ الإنسان وسيطًا لوجوده في الزمن. كأنّ الإنسان، بعبادته وأعماله الصالحة، يوجد الله في الزمن. وما هي العبادة الحقيقيّة؟ يقول القديس يعقوب في رسالته الجامعة: "إنّ الديانة الطاهرة في نظر الله الآب هي افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقهم وصيانة النفس من دنس العالم" (27:1). ويبيّن أنّ "الإيمان بدون الأعمال ميّت، وأنّه بالأعمال يصير الإيمان كاملاً" (20:2،22). فبالأعمال الصالحة يتجسّد الإيمان، وبالأعمال الصالحة يستمرّ التجسّد الإلهيّ. لذلك في الدينونة، وفق ما كتبه بولس الرسول إلى كنيسة رومة، "سوف يجازي الله كلّ إنسان بحسب أعماله" (روم 6:2).

 

Share this:

[back]